اللجنة الاقتصادية

استثمار الموارد البشرية العراقية في الخارج

استثمار الموارد البشرية العراقية في الخارج



إعداد: إسماعيل الدليمي

مقرر اللجنة الاقتصادية

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

يعد الاستثمار في الموارد البشرية أهم أنواع الاستثماروأعظمه نفعاً من خلال التربية والتعليم والتدريب والتأهيل طيلة حياة الأنسان الذي هو في النهاية الوسيلة والهدف من جميع النشاطات والفعاليات في المجتمع الذي يصبو لتحقيق النمو والتطور بما يوازي التقدم الحضاري في العالم، وهذا ما سارت عليه الأمم منذ القدم عبر مراحل التطور المتعددة بما في ذلك الثورات الصناعية المتلاحقة والتقدم التكنولوجي حتى الوقت الحاضر المتمثل بعصر التقانة والتكنولوجيا.

وأن التقدم العلمي والحضاري الذي تحقق في العالم ما هو الا نتاج الثورات العلمية التي قادها العلماء والمطورين في جميع أنحاء المعمورة ومنهم أصحاب الفكر والمعرفة في بلاد العرب والمسلمين الذي قادوا حركات التحرر الفكري والعلمي الحضاري عبر قارات العالم أجمع وهم من بقيت آثارهم العلمية والثقافية شاخصة حتى عصر النهضة الصناعية الكبرى، وخلالها تسلم الغربيون راية التقدم العلمي والتقني في جميع مناحي الحياة.

ولا شك أن التقدم العلمي والتقني الذي أحرزه العالم المتقدم لم يكن حصيلة جهود أبناءه فقط وإنما شاركهم العديد من العلماء والمفكرين والمطورين والفنيين من أبناء الدول النامية ومنهم الطاقات البشرية العربية الكفؤة الذين إجتذبتهم مظاهر التقدم العلمي والحضاري في تلك البلدان سواء كان ذلك بإغراء المبعوثين للدراسة والبحث في الجامعات والمراكز العلمية الغربية وإبقاء المتميزين منهم في تلك البلدان يعملون بالمؤسسات العلمية والشركات التجارية أو بإجتذاب الكفاءات في مراحل لاحقة من خلال التعرف عليهم وعلى إنجازاتهم في دولهم ومنحهم رواتب ومحفزات عالية لضمان الأستفادة من خبراتهم في تطوير أعمال الشركات والمصالح العالمية ومنها الشركات الأوروبية والأمريكية خاصة.

إن حالة إستنزاف الموارد البشرية في العراق والعديد من الدول العربية ظاهرة بشكل واضح وعميق من حيث سعتها وآثارها السلبية على تلك الدول لأسباب عديدة تتمثل بتباين ظروف العمل العلمي والفني والبيئة المناسبة والظروف الأمنية.. إلخ، الأمر الذي يدفع بإتجاه تفضيل العمل في الخارج عنه في الداخل، مما يضيع فرص الأستفادة من أصحاب القدرات والكفاءات العلمية والفنية في بلدانهم، وهذا ما يتطلب العمل الجاد وتهيئة الظروف المناسبة لهؤلاء لتحقيق المزيد من العطاء لبلدانهم.

كما أن حالة إستنزاف العقول البشرية لم تكن وليدة الساعة في بعض البلدان العربية ومنها العراق ومصر وفلسطين والأردن بل إنها إعتمدت على قوة الأنتداب الأنكليزي وخبراتهم في تسيير الأمور في تلك البلدان بعد زوال حكم العثمانيين وترسيخ وعد بلفور المشئوم، فأصبحت الثقافة السائدة حتى بعد تاريخ إستقلال تلك البلدان متأثرة بالثقافة الأنكليزية بما في ذلك إستخدام اللغة وإرسال البعثات العلمية والتقنية الى بريطانيا ثم الى أمريكا وكندا وأستراليا بشكل خاص، ما جعل هذه الدول أن تستفيد من الأمكانات العلمية والفنية لأبناء الدول العربية المذكورة في إختصاصات الطب والهندسة والعلوم والفنون الآداب الذين تفوق أعداد المتواجدين منهم في الدول الغربية سالفة الذكر الألوف وما زالت الأعداد تتزايد لطالما بقيت أوضاع الدول العربية يسودها التخلف والأعتمادعلى الأجنبي.

ولم تكن الدول العربية الأخرى المتأثرة بالثقافة الفرنسية مثل سوريه ولبنان ودول شمال أفريقيه (تونس والجزائر والمغرب) بعيدة عن التأثير الغربي في إستنزاف العقول العربية بل أن الجاليات العربية في الدول الأوروبية مثل فرنسا وبلجيكا وفي بعض دول أمريكا اللاتينية وكندا تمثل أعداداً كبيرة بخبرات ومهارات لا تقل عن مثيلاتها في الدول الأنكلوسكسونية، وهي خسارة عظمى للدول العربية كافة.

أما الحلول والمعالجات المتعلقة بإستثمار الموارد البشرية العراقية في الخارج فأنها غير سهلة ولكنها ليست مستحيلة، فلو عدنا لتأريخ المحاولات التي قامت بها الدولة العراقية فيما مضى، فأنها الى جانب بث التوعية وأخذ الضمانات الكافية نسبياً من المبعوثين للدراسة أو التدريب والزيارات العلمية والفنية في الخارج، تم إصدار التشريعات التي يتم بموجبها منح العائدين من الكفاءات العراقية إمتيازات منها منحهم قطع أرض سكنية مع مبالغ للبناء في بغداد والمحافظات إضافة الى تعويضات مالية مناسبة مع إعفاءات كمركيةللسيارات والآثاث المنزلية التي يجلبونها معهم، فضلاً عن إصدار تشريعات بمنح مخصصات الخدمة الجامعية التي ساعدت على إستقرار بعضهم، وقد إستفادت العديد من الكفاءات من تلك المميزات، ولكن بقيت أعداد غير قليلة من الكفاءات العراقية وخاصة من التخصصات الطبية والهندسية والعلوم من الذين لديهم تعاقدات مع مؤسسات خارجية بمواقع مهمة تعمل في مواقعها خارج العراق ولم يستجيبوا لتلك الدعوات ليس للأسباب المادية فقط وإنما لعدم توفر بيئة العمل المناسبة بحسب تقديرهم، بل وأن بعض العائدين من هؤلاء تم حصولهم على الأمتيازات المشار اليها لكنهم عادوا الى البلدان التي قدموا منها أو هاجروا الى بلدان أخرى، والخاسر الأكبر بلدهم الأحوج لخدماتهم.

كما أن الهجرات المتعاقبة التي حدثت بعد عام 2003 نتيجة الأحتلال وما أعقبه من خروقات أمنية وإغتيالات إستهدفتالعديد من العلماء العراقيين، أدت الى نزوح أعداد كبيرة من الكفاءات العراقية منتشرين حالياً في معظم بقاع الأرض، ولم يبقَ إلا أعداد قليلة من الكفاءات الذين يعانون الأمرين في أحوالهم المعيشية، وذلك لرداءة ظروف المعيشة وتدهور مجالات العمل بما ينعكس سلبياً على حياتهم الأجتماعيةوالأقتصادية.

وفي العراق الجديد كما يقال إختلط الحابل بالنابل ولم يبقَ للكفاءة معيار يمكن الركون اليه في ظل التشويهات التي شملت مخرجات قطاع التعليم العالي داخلياً وخارجياً بما في ذلك تدني المستويات العلمية للخريجين في المستويات المختلفة بسبب الأوضاع السائدة في البلاد إضافة الى عمليات التزوير التي طالت العديد من الشهادات مع الفشل الذريع في السيطرة النوعية على معظم المناهج الدراسية، ومن أهم أسباب التدني في المستويات التعليمية كما سبق وأشرنا اليها في دراسات سابقة المتمثلة في التوسع في مؤسسات التعليم العالي دون شروط وفقدان السيطرة على تنفيذ المناهج الدراسية التي تمثل الحد الأدنى مقارنة بالمستويات العلمية العالمية، فضلاً عن مطالبات لأصدار تشريعات جديدة تخول الأدارات الحكومية بما في ذلك مجلس النواب لتأخذ صلاحيات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في تقييم الشهادات العليا التي يحصل عليها منتسبيهم من مؤسسات تعليمية من داخل العراق أو خارجه، والهدف من ذلك هو حصول هؤلاء على المميزات التي يستحقها حامل الشهادة العليا بموجب التشريعات النافذة، وهذه نكسة أخرى لأوضاع التعليم العالي في العراق.

المطلوب إعادة النظر بأوضاع التعليم العالي والبحث العلمي وكذلك مدخلاته من التعليم الثانوي بأن تكون المخرجات وفقاً لأحتياجات سوق العمل وتوجيه العاطلين بعد تأهيلهم بموجب مؤشرات الحاجة الفعلية للنشاطات الأقتصادية والأجتماعيةفي العراق، وهذا ما أشرنا اليه في دراساتنا السابقة حول الموضوع، كما يتطلب توفير بيئة العمل المناسبة للكفاءات العراقية الحقيقية بما يساعد في إستقرارها في العراق، والله من وراء القصد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى