اللجنة الاقتصادية

إصلاح الموارد البشرية في العراق عبر التعليم والتدريب والتأهيل

إصلاح الموارد البشرية في العراق عبر التعليم والتدريب والتأهيل

إعداد: إسماعيل الدليمي
مقرر اللجنة الاقتصادية

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

يعتبر قطاع التعليم في أي بلد اللبنة الأساسية الأولى في تطور المجتمع ويعتمد عليه مستقبل أجياله، لذلك فقد أولت الدولة العراقية منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي إهتماماً خاصاً بهذا القطاع الحيوي فأعطته الأولوية في بناء هياكله الفنية والإدارية بما تتطلبه تلك المرحلة من توفير البنية التحتية للقطاع بمستوياته المختلفة، بما في ذلك أبنية المدارس والمعاهد والجامعات متضمنة متطلبات ومستلزمات العمليات التعليمية كافة.

وكانت وزارة التخطيط آنذاك لا تستثني أي طلب يقدم من وزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي، يتعلق ببناء المدارس بانواعها ومستوياتها وتوفير مستلزماتها إضافة الى تشجيع المشاريع الاستثمارية للجامعات والمعاهد ومراكز البحث العلمي شريطة أن تكون الأجهزة المعنية بالتنفيذ قادرة على التنفيذ الفعلي بما في ذلك أجهزة وزارة الأشغال والأسكان والإدارات المحلية والبلديات، مع المتابعة الفعلية والجادة التي تضمن تنفيذ البرامج الإنمائية المقررة والتي يعتمد في تمويلها على التخصيصات الاستثمارية في المنهاج الاستثماري السنوي المنبثق عن الخطة الخمسية لتلك الفترة. 

ومعلوم أن اعتماد الدولة العراقية على الموارد النفطية في نفقاتها الاستثمارية والتشغيلية بشكل أساسي قد بدأ في النصف الأول من القرن العشرين، إلا أن إمكاناته المادية والنقدية قد تعززت بعد قرارات التأميم لشركات النفط الأجنبية في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، وعلى ضوء تلك الإمكانات تم وضع الخطط والبرامج الإنمائية التي تضمن تطور الاقتصاد العراقي بمعدلات نمو مرتفعة نسبياً وفقاً لإمكانات التنفيذ الفعلية لا غير، فتم إنجاز المرافق المطلوبة للعمليات التعليمية بمستوياتها وأنواعها المختلفة بما يلزم تطور قطاع التعليم والبحث العلمي وفقاً لحاجات البلد، كما أن هذا التطور لم يقتصر على الجوانب الكمية لهذا القطاع بل تم التأكيد على الجوانب النوعية متمثلة بالمستوى العلمي والفني للمعلم والمدرس والأستاذ في المراحل المختلفة إضافة إلى متطلبات البحث العلمي والتطوير عن طريق إرسال البعثات الدراسية والعلمية الى الخارج للدراسة والبحث في الجامعات والمراكز العلمية الأجنبية المشهورة وبأعداد كبيرة تحسباً للحاجة المستقبلية للنهوض بواقع العملية التعليمية والبحث العلمي المطلوب في العراق، فضلاً عن التأكيد على أهمية استحداث دراسات عليا للماجستير والدكتوراه في الجامعات التي تتوفر فيها الإمكانات العلمية والفنية المطلوبة والعمل على توسيع مساحة الدراسات العليا في الاختصاصات التي يحتاجها تطور ونهوض العراق.

وبالنسبة للصعوبات والمشاكل والتحديات المؤثرة في زخم عمليات تنمية الموارد البشرية فقد واجه العراق العديد من الصعوبات والمشاكل والتحديات التي أثرت سلبا على جهود التنمية بداية من ثمانينيات القرن الماضي متمثلة بالحروب والحصار الاقتصادي الدولي، مما انعكس سلباً على إمكانات التطور الاقتصادي والاجتماعي فيه، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تبرئة العديد من الأطراف الدولية خاصة التي استكثرت على العراق مساعيه في التقدم والإصلاح بما في ذلك الشركات العالمية المتضررة نتيجة لتأميم مصالحها في العراق، إضافة إلى تدخلات بعض الدول الإقليمية في الشأن العراقي لأسباب ودوافع مختلفة أدت في النهاية إلى الوضع الذي هو فيه حالياً. كما أن إحتلال العراق من قبل أمريكا والدول الاستعمارية المتحالفة معها في عام 2003 قد دمر البنى التحتية لمعظم المرافق الحيوية إضافة الى حل الجيش العراقي والقوی الأمنية الأخرى، وتحطيم جميع إمكاناته الدفاعية التي كلفته مبالغ طائلة عبر عشرات السنين، إضافة الى إستنزاف موارده البشرية متمثلة بالقيادات العلمية والفنية بمستوياتها المتنوعة بالقتل أو التشريد أو الهجرة الى الخارج، فضلاً عن إنتشار الفساد المالي والإداري الذي عمّ جميع مرافق الدولة منذ بداية الاحتلال، لذا فأن الموارد المالية المتاحة من تصدير النفط بعد إصلاح بعض ما دمرته الحرب الأخيرة لم تكن كافية لإعادة الأوضاع الى مستوياتها السابقة والمطلوبة نتيجة لضعف الإمكانات البشرية بشكل خاص وتفشي الفساد الإداري والمالي، بحيث تم إستنزاف مئات المليارات من العملات الصعبة دون أن تتمكن الأجهزة المعنية من إعادة البنى التحتية المدمرة أو توفير الخدمات الأساسية المطلوبة بما في ذلك المرافق الحيوية لقطاع التربية والتعليم والبحث العلمي، بل وشمل هذا القصور الجوانب النوعية لمخرجات هذا القطاع نتيجة للأوضاع الأمنية المتدهورة وعدم توفر المتطلبات الفنية المناسبة للعمليات التعليمية بشكل عام، فضلاً عن حالة عدم الاستقرار ونزوح ملايين السكان من مناطقهم قد أدت هذه الحالة إلى ضياع الفرص أمام الفئات العمرية في سن الدراسة من إكمال دراستهم في مختلف المراحل، وتحويلهم إلى أفواج إضافية في صفوف العاطلين الذين تقدر نسبتهم بما لا يقل عن 40% من عدد السكان النشطين وخاصة من محافظات الوسط والجنوب، كما أن التوسع في الدراسات الجامعية وخاصة الأهلية منها في جميع المحافظات دون توفير المتطلبات العلمية والفنية الكاملة والمناسبة قد أدى الى ضعف المستوى العلمي والفني للمخرجات التعليمية كافة، فضلاً عن عدم توفير الوقت الكافي لمتطلبات الدراسة نتيجة لكثرة العطل والمناسبات التي يتعطل فيها انتظام الدراسة في المستويات التعليمية المختلفة.

وتدل العوامل  المؤثرة سالفة الذكر على نقاط الضعف والقصور في مسيرة التعليم في العراق بشكل عام، غير أن ما يدعو للقلق خطورة عوامل الضعف المؤثرة على أوضاع التعليم العالي بشكل خاص، إضافة إلى تدني إمكانات البحث العلمي سواء كان ذلك من خلال الجامعات أو مراكز الأبحاث الأخرى، مما يتطلب اتخاذ إجراءات حاسمة لضمان جودة مخرجات التعليم العالي وفق المعايير الدولية، وصولاً إلى مخرجات قادرة على تلبية متطلبات التنمية في العراق ، إضافة إلى توفير الظروف المناسبة للبحث العلمي بما في ذلك تشجيع طلبة الدراسات العليا وطلبة الدكتوراه خاصة والباحثين الأخرين للمساهمة في البحث العلمي وتطويره بما يساعد في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في العراق.

وبالنسبة لمصادر التمويل لهذا القطاع فأنها تعتمد على التخصيصات المالية في الموازنات السنوية أو المنهاج الاستثماري والتي تعتمد في الأساس على الموارد النفطية كما أوضحنا ذلك أعلاه.

أما المشاريع الاستثمارية لقطاع التربية والتعليم والبحث العلمي فتخصص المبالغ اللازمة لها في البرامج الإنمائية وفقاً لكفاءة التنفيذ، فكانت وزارة التخطيط من خلال المتابعة المركزية للمشاريع تقوم بحث الجهات المنفذة لرفع مستويات التنفيذ من أجل ضمان توفير المستلزمات الضرورية لمتطلبات العمليات التعليمية وتحقيق أداء أفضل في المستوى العلمي والمهني لمخرجاتها.

ولا شك بأن تدني نوعية التعليم تؤدي حتماً الى ضعف مستوى الخريجين في جميع المراحل الدراسية الأمر الذي يزيد من الصعوبات أمام الباحثين عن العمل، مما يتطلب بذل جهوداً إضافية لتأهيل الخريجين بحسب احتياجات أسواق العمل.

وفي المحاضرة السابقة للمنتدى التي قدمها الأستاذ الدكتور عبيد محمود الزوبعي عضو لجنة الإدارة والمحاسبة والإحصاء والتخطيط الاستراتيجي حول اّلية الحد من البطالة في العراق والتي كانت من أهم المحاضرات التي إستعرضت المشاكل القائمة في قطاع التعليم والموارد البشرية في العراق الجديد وهي ظاهرة البطالة في صفوف خريجي الجامعات والكليات والمعاهد والمقترحات بشأن الحد منها، فكان المحاضر الفاضل قد ألقى الضوء على المشكلة بكافة جوانبها وتوصل الى العديد من الحلول لمواجهتها فضلاً عن المقترحات التي قدمها المشاركون في الندوة حول تلك المشكلة.

وبما أن خريجي الجامعات والمعاهد الفنية بالمستويات المختلفة يمثلون القطاف الأهم والأكثر حاجة في إدارة وتطوير النشاطات والاقتصادية والاجتماعية في البلاد وإنها تمثل العنصر الأساسي في القيادة والإنتاج في العمليات الإنتاجية والخدمية كافة، فضلاً عن أن هذه العناصر تمثل الركن الأساسي في الموارد البشرية عندما يتم إعدادها بمستويات لا تقل عن المستويات المعتمدة عالمياً، وهذا ما كان متبعاً في العراق خلال النصف الثاني من القرن الماضي ومعترفاً به من قبل المنظمات الدولية ذات العلاقة، غير أنه لم تعد هذه المستويات موجودة في مؤسسات العراق التعليمية ما بعد عام 2003 لأسباب كثر الحديث عنها في مختلف المناسبات ومنها ما حصل في مناقشات المحاضرة اَنفة الذكر.

كما أن الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في البلاد لا يقتصر على الإصلاح السياسي والمالي والنقدي فقط بل يشمل إصلاح الموارد البشرية التي تمثل العمود الفقري لكيان الدولة والمجتمع معبراً عنها بالسكان المنتج الذي يقود النشاط الاقتصادي والاجتماعي، مما يستوجب تحديد الاَليات التي تضمن كفاءة أداء هذه الموارد واتخاذ السياسات والتشريعات والإجراءات اللازمة لتعظيم نشاطاتها في المجالات الإنتاجية والخدمية لكي لا تبقى معظم هذه الموارد أسيرة لأخطار البطالة والفقر والأمراض الاجتماعية الأخرى، على أن تكون تلك السياسات والإجراءات قابلة للتطبيق ومحددة بموجب جداول زمنية ثابتة تخضع لمتابعة ومراقبة الجهات المعنية بتلك السياسات والإجراءات.

ويبدأ إصلاح الموارد البشرية في العراق بإصلاح منظومة التعليم والبحث العلمي كاملة وهذا ما أشرنا اليه في ورقتنا المقدمة للمنتدى بعنوان (التعليم في العراق الى أين؟) بتاريخ 20/4/2021 والتي تضمنت شرحاً وافياً للحلول التي يمكن بواسطتها معالجة أوضاع الموارد البشرية إضافة الى المقترحات التي أدلى بها الأستاذ الدكتور عبيد الزوبعي في المحاضرة المشار اليها أعلاه، وبذلك إذا ما أُريد تحقيق إصلاح فعلي للموارد البشرية في العراق يمكن الاستفادة من المقترحات الواردة في المصدرين المذكورين إضافة الى المصادر الأخرى ذات العلاقة، والله من وراء القصد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى