اللجنة الاقتصادية

أجهزة التخطيط في العراق ما لها وما عليها

أجهزة التخطيط في العراق ما لها وما عليها

الأستاذ إسماعيل الدليمي
مقرر اللجنة الاقتصادية

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

 

  1. بدأت عمليات التخطيط لأجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العراق في أوائل الخمسينات من القرن الماضي متمثلة بمجلس الأعمار ووزارة الأعمار وذاك بعد تحسن الموارد المالية من النفط وسواه، وكانت أولى مهام هذين الجهازين حصر المشاريع الأساسية الواجب تنفيذها بحسب الأولويات التي تناسب أوضاع البلد، وفعلاً تم استدعاء العديد من الشركات الاستشارية العالمية المختصة بإجراء الدراسات الاستشارية للمشاريع المطلوب تنفيذها في العراق في تلك المرحلة، فكانت الأولوية لمشاريع القطاع الزراعي متمثلة بمشاريع الري بما فيها الخزانات والسدود وقنوات الري ومشاريع إصلاح الأراضي الزراعية عن طريق شبكات البزل الرئيسية ثم الحقلية، بالإضافة الى بعض المشاريع الزراعية النموذجية، وكذلك دراسات استشارية عن شبكات الطرق وسكك الحديد وبعض المباني الخدمية، فضلاً عن دراسات لمشاريع تتعلق بالصناعة النفطية كالمصافي والصناعات الاستخراجية والصناعات الأخرى.
  2. بعد إنجاز الدراسات الاستشارية للعديد من المشاريع الكبيرة نسبياً باشرت وزارة الأعمار عبر هيئاتها القطاعية المتخصصة بالإعلان عن المشاريع المكتملة الدراسة والحصول على أفضل العروض للمشاريع ذات الأولوية بدءً بمشاريع القطاع الزراعي متمثلة بالسدود والخزانات كسد دوكان وسد دربندخان ثم سد بخمة (الذي توقف العمل به لأسباب أمنية) ثم سدة سامراء وبحيرة الثرثار إضافة الى سدة الهندية وشبكات المبازل الرئيسية بما فيها مشروع المصب العام (النهر الثالث) وغيرها من المشاريع الأروائية والزراعية، وقد تم التنفيذ عن طريق شركات عالمية ومحلية. أما مشاريع القطاع الصناعي، فبعد إنجاز الدراسات الاستشارية للعديد من المشاريع الصناعية التي أُنجز بعضها في فترة مجلس الأعمار والبعض الآخر أستُكمل فيما بعد وأغلبها تم تنفيذها من قبل شركات عالمية، فباشرت وزارة الصناعة بأنشاء مشاريع صناعية غطت معظم محافظات القطر، منها مشروع الأدوية في سامراء ومعمل الألبان والمعدات الكهربائية والإسمنت ومصفى الدورة ومحطة الكهرباء في بغداد إضافة الى مشاريع الغزل والنسيج والحياكة في الموصل والديوانية والكوت ومشروع الزجاج في الرمادي… إلخ. كما ساهم القطاع الخاص بتأسيس العديد من المشاريع المهمة مثل الزيوت النباتية والإسمنت والجص والطابوق والنسيج إضافة الى الصناعات المتوسطة والصغيرة المنتشرة في عموم البلاد. وقد استمر تنفيذ المشاريع من قبل الجهات الحكومية والمقاولين المحليين بحسب الإمكانات المتاحة ووفق السياقات التي أسس لها مجلس الأعمار والتي تستند على نتائج الدراسات الاقتصادية والفنية والتصاميم التي تنفذ من خلال المكاتب الاستشارية العالمية والمحلية، وانتهى دور مجلس الأعمار ووزارة الأعمار في العام 1958.
  3. أما تشكيل مجلس الأعمار فكان ينعقد برئاسة رئيس الوزراء وعضوية لكل من وزير الأعمار الذي تقوم وزارته بالمهام الفنية التي يطلبها مجلس الأعمار، إضافة الى وزارات المالية والصناعة والزراعة والري والمواصلات وإضافة لعدد من الخبراء. أما تشكيل وزارة الأعمار فكانت مؤلفة من الإدارات القطاعية الفنية إضافة الى الإدارات المعنية بالتخطيط العام والدوائر الإدارية والمحاسبية. وتتولى الإدارات الفنية في وزارة الأعمار القيام بالأمور الفنية المتعلقة بإجراء الدراسات حول المشاريع من قبل المكاتب الاستشارية الدولية والمحلية بحسب أهمية كل مشروع بحيث شاركت بعض المكاتب الاستشارية المحلية في إعداد الدراسات المحالة الى المكاتب الاستشارية الدولية بهدف كسب المزيد من الخبرات في مجال الاستشارات، وتعتبر المشاريع المنفذة في تلك الفترة من المشاريع الحيوية والمهمة جداً لأنها تمثل أساس البينة التحتية التي تستند عليها جهود التنمية فيما بعد.
  4. غير أن أسلوب التنفيذ هذا ليس بالضرورة أن يكون مثالياً بالنسبة لمصلحة الجانب العراقي أو خالياً من التدخلات في أوامر توجيه المقاولات الى أي من الشركات المنفذة، لأن معظم القرارات الخاصة بدعوة الشركات الأجنبية الاستشارية أو التنفيذية هي في أيدي الخبراء الأجانب العاملين في وزارة الأعمار، وذلك بسبب قلة أعداد الخبراء العراقيين المشاركين في عمليات التخطيط آنذاك والاعتماد بالدرجة الأولى على الخبراء الأجانب، مع وجود شركات استشارية مشرفة على التنفيذ في كل مشروع كبير يمثلون الجانب الحكومي، كما أن المسوحات التي أجريت عبر الدراسات الاستشارية للمشاريع المهمة التي تم تنفيذها تمثل الأساس الحقيقي لجهود التنمية في العراق والتي استندت عليها العمليات التخطيطية في العهد الجمهوري. كما أن المشاريع التي تم إنجازها في جميع القطاعات تعتبر المجموعة الأولى من المشاريع الإنمائية التي حصل عليها العراق وبها بدأت المسيرة الإنمائية في العراق.
  5. بعد العام 1958 تم تشكيل مجلس التخطيط ووزارة التخطيط ليقوما بالمهام التخطيطية والأشراف على التنفيذ للمشاريع الجاري تنفيذها والتي أُقرت من قبل أجهزة مجلس الأعمار إضافة الى المباشرة بالمشاريع الجديدة التي تمت دراساتها في السابق والأخرى التي تمت دراستها فيما بعد. وخلال هذه المرحلة تم تشكيل مجلس التخطيط برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية وزير التخطيط ووزراء المالية والاقتصاد والزراعة والإصلاح الزراعي والري والصناعة… إلخ، وعدد من الخبراء في مختلف الاختصاصات. وتقوم وزارة التخطيط بالمهام الفنية اللازمة لإعداد وتهيئة المشاريع الإنمائية لتقوم الوزارات والمؤسسات المعنية بتنفيذها بعد إقرارها من قبل مجلس التخطيط أو وزارة التخطيط بحسب الصلاحيات المسندة اليها من قبل مجلس التخطيط.
  6. وبعد استكمال الملاكات الفنية والإدارية في الوزارات والمؤسسات المنفذة لتكون قادرة على تنفيذ المشاريع الحكومية التي تُكلف بتنفيذها إضافة الى المقاولين المحليين والدوليين الذين تحال اليهم المشاريع للتنفيذ بموجب التعليمات الصادرة من مجلس التخطيط، بل وتقوم الإدارات الفنية في وزارة التخطيط بتهيئة المشاريع بالتعاون مع الوزارات والمؤسسات المنفذة بعد إجراء الدراسات التفصيلية عليها، يتم عرضها على الهيئة التوجيهية لمجلس التخطيط المؤلفة في وزارة التخطيط برئاسة وزير التخطيط وعضوية رؤساء الدوائر الفنية في الوزارة بالإضافة الى عدد من وكلاء وزارات المالية والري ومحافظ البنك المركزي ومدير عام مشروع المسيب الكبير ورئيس الجهاز المركزي للإحصاء وغيرهم.
  7. وبعد دراسة المشاريع في الهيئة التوجيهية يتم إقرار أما رفعها لمجلس التخطيط وهي المشاريع الكبيرة التي ليست من صلاحيتها، حينئذ ينظر مجلس التخطيط بالمشاريع المرفوعة اليه ويتخذ القرار المناسب بشأنها وتحال الى الوزارة أو المؤسسة المعنية لاتخاذ الإجراءات المناسبة بشأن تنفيذ القرار. وكذلك تقوم وزارة التخطيط بإحالة المشاريع التي تقرها الهيئة التوجيهية التي من صلاحيتها الى الوزارات المعنية للتنفيذ، وتجدر الإشارة الى أن تشكيل الإدارات الفنية في وزارة التخطيط قد جاء وفق توزيع القطاعات الاقتصادية، وفيما يلي الهيكل التنظيمي لأجهزة التخطيط في الثمانينات من القرن الماضي بحسب ما جاء في قوانينها:

  1. وبعد تشكيل الحكومة في العام 1958، بدأت وزارة التخطيط في مراجعة الأعمال التخطيطية والتنفيذية التي قامت بها وزارة الأعمار ثم بدأت باستكمال جهازها الفني والإداري فأصدر مجلس التخطيط التعليمات اللازمة لتنفيذ المشاريع من قبل الوزارات والمؤسسات المعنية، إضافة للتعليمات المتعلقة بالمقاولين وتصنيفهم الى درجات فيما بعد، فأصبحت الوزارات والمؤسسات المنفذة على علم بمسؤولياتها تجاه المشاريع المستمر تنفيذها من قبل المقاولين الأجانب والعراقيين، والعمل على إعداد المشاريع الجديدة التي تتوفر عنها الدراسات الاستشارية وتقديمها الى وزارة التخطيط لتقوم بدارستها بشكل تفصيلي بالتنسيق مع تلك الوزارات والمؤسسات ثم عرضها على مجلس التخطيط لاتخاذ القرار المناسب بشأنها.
  2. أما تشكيل وزارة التخطيط كما هو موضح في الهيكل التنظيمي لأجهزة التخطيط أعلاه، فقد جرى على مراحل ، فتم تعزيز الدوائر الفنية والإدارية بالموظفين سواء كان ذلك بنقلهم من الوزارات والمؤسسات الأخرى أو تعيين موظفين جدد والعمل على تدريبهم بدورات داخل العراق وخارجه بما في ذلك إرسال وجبات متعددة من الموظفين الفنيين للدراسة والتدريب في معهد التخطيط القومي في القاهرة ومعهد التنمية في البنك الدولي والى بعض الجامعات العالمية. كما تم استقطاب العديد من الكفاءات العراقية من الخارج والداخل للعمل في أجهزة المجلس والوزارة وكذلك تم انتداب أعداد من الخبراء العرب والأجانب من قبل الحكومة العراقية مباشرة أو عن طريق الأمم المتحدة للعمل مع الفريق العراقي لإعداد الخطط الخمسية والبرامج الاستثمارية السنوية، وكذلك الاستفادة من خبراتهم في تدريب الموظفين العراقيين المنسبين للعمل كنظراء بمعيتهم.
  • – وفي مجال إعداد الأطر التخطيطية قامت وزارة التخطيط بإرسال عدد كبير من موظفي الوزارة ممن لديهم الاستعداد والمؤهلات للدراسة في الجامعات في الخارج للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه في المجالات ذات العلاقة بالتخطيط والتنمية، وفعلاً تم إبتعاث أكثر من عشرين موظفاً لهذا الغرض وعاد معظمهم لوزارة التخطيط بعد تحصيلهم على الشهادات المطلوبة ولكن للأسف خسرت الوزارة معظم هذه الكفاءات بعد احتلال العراق. كما أسست الوزارة معهد للتخطيط في الثمانينات من القرن الماضي بغرض تدريب الموظفين من وزارة التخطيط والوزارات الأخرى الذين يعملون في دوائر التخطيط والمتابعة في تلك الوزارات والمؤسسات، كما سبق وشاركت وزارة التخطيط كل من وزارة التعليم العالي ووزارة البلديات في تأسيس معهد دراسات عليا للتخطيط الحضري والإقليمي ليمنح شهادة الماجستير في الاختصاصات ذات العلاقة بالتنمية الحضرية والإقليمية، وتدرب فيه أعداد غير قليلة من موظفي الوزارة والوزارات الأخرى ومنهم من تقلد منصب وزيراً مهماً في ذلك الوقت إضافة الى عدد من وكلاء الوزارة والمدراء العامين المتميزين، علماً بأن المبالغ التي أُنفقت على هذه النشاطات كانت على حساب خطة التنمية وبموافقة مجلس التخطيط باعتبارها نشاطات استثمارية.
  • – أما الخطط والبرامج الاستثمارية التي وضعت موضع التنفيذ في زمن مجلس الأعمار والتي نُفذت خلال الفترة 1953-1958 فقد شملت بالدرجة الأولى مشاريع البُنى التحتية وبعض المشاريع الإنتاجية والخدمية، تلتها الفترة من 1959-1964 كانت الخطط والبرامج تشمل استكمال المشاريع المستمرة ومشاريع جديدة استكمالا للمشاريع التي أُنجزت دراساتها سابقاً ومشاريع جديدة ركزت على التوسع في القطاع الصناعي والاستمرار بمشاريع استصلاح التربة وتحسين الإنتاج الزراعي إضافة الى مشاريع الطرق والجسور وسكك الحديد ومباني الخدمات التربوية والتعليمية والصحية والثقافية.
  • – لقد بدأ وضع الخطط الخمسية في العراق اعتبارا من عام 1965، حيث تم وضع الخطة الخمسية 1965-1969 من قبل فريق عمل وزارة التخطيط ممثلاً برؤساء الدوائر الفنية فيها ومجموعة الموظفين المدربين من اقتصاديين ومحاسبين ومهندسين ومختصين في علوم التربية والاجتماع، جميع هؤلاء يعملون على دراسة المشاريع الاستثمارية التي تقدمها الوزارات والمؤسسات المعنية والتوافق مع تلك الوزارات على أولويات المشاريع التي يتطلب إدراجها في الخطة الخمسية المستندة على نتائج الدراسات المتوفرة حول كل مشروع وعلى خبرة الموظفين والخبراء العراقيين وغير العراقيين، وكان الخبير الدكتور طاهر كنعان الاقتصادي الأردني المعروف على رأس فريق العمل الذي قام بوضع تلك الخطة التي تم عرضها على الهيئة التوجيهية لمجلس التخطيط ثم مجلس التخطيط حيث تم إقرارها، وبدء تنفيذها وفق برامج استثمارية سنوية لكل سنة من سنوات الخطة، ويتم إعداد تلك البرامج أيضاً من قبل أجهزة وزارة التخطيط والوزارات والمؤسسات المعنية الأخرى. وقد تم تمديد تلك الخطة لسنة واحدة لغاية 1970 لأسباب تتعلق بالتحضيرات الخاصة بإعداد الخطة الجديدة من دراسات ومعلومات وتكامل الأجهزة الفنية اللازمة لأعداد الخطة.
  • – وبعد اكتمال ظروف العمل التخطيطي بين وزارة التخطيط والوزارات والمؤسسات المنفذة من دراسات المشاريع المطلوب تضمينها في الخطة والمعلومات والمؤشرات اللازمة لذلك، بدأ إعداد الخطة الخمسية الشاملة 1971-1975 من قبل فريق العمل في وزارة التخطيط المخصص لهذا الغرض وبنفس الأسلوب المتبع في إعداد الخطة الخمسية للسنوات السابقة، وبإشراف خبراء دوليين من منظمة الأمم المتحدة وخبراء عراقيين ممثلين برؤساء الدوائر الفنية إضافة الى الموظفين الفنيين في تلك الدوائر، وقاد فريق العمل هذا الخبير الدكتور محمد محمود الأمام الاقتصادي المصري المعروف الذي واكب إعداد تلك الخطة بمعيّة الخبراء الآخرين دوليين وعراقيين، وكان من ضمنهم كاتب هذا البحث، وبعد إنجاز مسودة الخطة تم عرضها على الهيئة التوجيهية ثم مجلس التخطيط بعد دراستها بعمق مع الوزارات المعنية لاتخاذ القرار بشأن تطبيقها اعتبارا من بداية عام 1971.
  • – أما الخطة الخمسية التالية كانت للسنوات 1976-1980 والتي تم إعدادها بنفس الأسلوب المتبع في الخطتين السابقتين من ناحية إدراج المشاريع في الخطة والتعاون مع الوزارات المعنية في إعدادها واتخاذ القرارات بشأنها من قبل مجلس التخطيط والهيئة التوجيهية، وتعتبر تلك الخطط من الخطط الطموحة جداً في استثماراتها الواسعة وأهدافها المرتفعة بأمل خروج العراق من مرتبة الدول النامية متوسطة الحال الى الدول المتقدمة نسبياً، وذلك في ضوء التقدم المُحرز في الإنتاج بمختلف القطاعات والخدمات الواسعة المتميزة في التربية والتعليم والصحة والثقافة والعلوم، وهذا ما شهدت عليه وأشادت به المنظمات الإقليمية والدولية المتخصصة بما في ذلك منظمة التربية والثقافة العلوم الدولية والعربية وكذلك منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وجميع هذه المنظمات كانت تساعد بقدر أواخر في العمليات الإنمائية بحسب تخصص كل منها.
  • – لا شك بأن عمليات التخطيط لأجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان النامية خاصة بأنها عمليات مستمرة لأن العديد من المشاريع لا تنتهي بانتهاء فترة الخطة خاصة إذا كانت المباشرة بتلك المشاريع في السنوات الأخيرة للخطة، عندئذ تتضمن الخطط الخمسية عادة مشاريع مستمرة ومشاريع جديدة بحسب تقدم العمل في كل مشروع.
  • – ما كادت تنتهي الفترة الزمنية لخطة التنمية 1976-1980 وإلا ابتدأت الحرب العراقية الإيرانية والتي كانت العامل الأساس في توقف تنفيذ العديد من المشاريع المدرجة في الخطة، حيث تم إيقاف جميع المشاريع التي لم يتم البدء بتنفيذها ثم المشاريع التي تقل نسبة تنفيذها عن 30% ثم 50% حتى وصل إيقاف بعض المشاريع المتقدمة بالتنفيذ وبحسب أهميتها، وهذه هي الكارثة الأولى التي حلت بالجهد التنموي في العراق، وأن الأسباب التي ألزمت الحكومة العراقية لاتخاذ هذه القرارات هي الحاجة لتحويل الأموال المرصدة للمشاريع الى المجهود الحربي، إضافة الى تفرغ العديد من القيادات التي كانت معنية في التنمية الى المهام المتعلقة بالحرب، فضلاً عن المخاطر التي يمكن أن تطال المشاريع والعاملين فيها من جراء العمليات الحربية. الأمر الذي كان له تأثير مباشر على حركة التنمية ولم تعد هناك إجراءات تخطيطية كالسابق بما في ذلك القرارات المتعلقة بالمشاريع المستمرة حتى انتهاء الحرب في عام 1988، بل كانت القرارات تُتخذ من قبل القيادة ومجلس الوزراء، ولم يبقَ لدى وزارة التخطيط أعمال غير إجراء الدراسات الإنمائية الخاصة بالعراق بشكل عام، ودراسات قطاعية مستقبلية يمكن الاستفادة منها بعد توقف الحرب، واستمرت الدوائر التابعة لوزارة التخطيط بإجراء الدراسات لفترة طويلة بعد انتهاء الحرب، كما استمرت الأجهزة الأخرى مثل الجهاز المركزي للإحصاء والأجهزة التابعة لمجلس التخطيط القيام بمهامها طيلة فترة الحرب وما بعدها.
  • – بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية توجهت الأجهزة التخطيطية والتنفيذية في الوزارات والمؤسسات من معالجة أوضاع المشاريع المتوقفة والتي بلغت نسب متقدمة في التنفيذ وإصلاح الأضرار في مواقع المشاريع المتضررة، إضافة لإعادة تقييم أوضاع المشاريع القطاعية الأخرى والتفاوض مع المقاولين من جديد للتوصل الى الحلول المناسبة، من جانب آخر استمرت الدوائر الفنية في وزارة التخطيط بإجراء الدراسات حول الاحتياجات المستقبلية للمشاريع الجديدة بالتنسيق مع الوزارات المنفذة من أجل إدراجها في البرامج الإنمائية الجديدة، ولكن تعرض العراق لحروب أخرى في الخليج ومواجهة الحصار الدولي الذي استمر لثلاثة عشر عاماً كلها أدت الى ضياع الفرصة التي كان العراق ينتظرها في إحراز التقدم الذي استهدفته خطط التنمية المتلاحقة.
  • – أما المكونات الأساسية لوثيقة الخطة الخمسية كما جرى تحديدها خلال الستينات وحتى الثمانينات من القرن الماضي، فكانت تشتمل على القسم الأول المتعلق بدراسة المؤشرات والبيانات التفصيلية للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العراق وتوقعات نموها خلال مدة الخطة وتحديد نسب النمو المستهدفة العامة والقطاعية متمثلة بالمشاريع التي يتم إدراجها في تلك الخطة ضمن القسم الثاني، والذي يحتوي على المشاريع المستمرة والمشاريع الجديدة مع التخصيصات المحددة لكل مشروع، وكذلك يتم رصد التخصيصات السنوية للمشاريع في جميع القطاعات ضمن البرنامج الاستثماري أو الخطة السنوية التي هي جزء من الخطة الخمسية مع تحديد التوقيتات الزمنية لتنفيذ المشاريع.
  • – وفيما يخص الأجهزة والمراكز والهيئات التابعة لمجلس التخطيط ووزارة التخطيط فأن دورها يتمثل في توفير المعلومات والإحصاءات العامة والقطاعية من قبل الجهاز المركزي للإحصاء وذلك من خلال المسوحات الدورية والأستقصاءات والدراسات الإحصائية التي يوفرها لأغراض الخطط التنموية إضافة للأغراض الأخرى المطلوبة من الجهات الأخرى في الحكومة والمجتمع. وبالنسبة للمراكز الأخرى التابعة لمجلس التخطيط فأنها تقوم بالمهام المحددة في قوانينها وتساعد دوائر وزارة التخطيط والوزارات الأخرى فيما يتعلق بمتطلبات وضع وتنفيذ الخطط الإنمائية إضافة الى الجوانب التدريبية التي يقوم بها كل مركز أو هيئة بما يساعد على تعزيز كفاءة العاملين في الدولة والمجتمع العراقي.
  • – كما أنه لا بد من الإشادة بالنشاطات الإنمائية التي شملت مشاريع الأعمار والبنى التحتية في العراق بأنواعها في عهد مجلس الأعمار والعهد الجمهوري بما في ذلك إنجاز المشاريع الزراعية والأروائية الكبرى، والمشاريع الصناعية والمعدنية بأنواعها والمشاريع النفطية الكبيرة إضافة الى مشاريع الخدمات الأساسية المختلفة في العاصمة وسائر المحافظات. وأن ما تم تنفيذه من تلك المشاريع هو ثمرة جهود العراقيين المخلصين في الأجهزة الحكومية المعنية طيلة مرحلة اتسمت بالجد والتفاني في العمل لمدة تزيد عن خمسين عاماً، بعدها للأسف توقفت حركة التنمية بالكامل بعد احتلال العراق في العام 2003، وبدأت مرحلة التدهور السريع الذي شمل معظم مناحي الحياة، وتوقف عمل معظم المشاريع الصناعية والزراعية الإنتاجية إضافة الى مشاريع عديدة في القطاعات الأخرى وذلك بسبب تفكيك هياكل الأجهزة الإدارية والفنية والعلمية والثقافية التي تدير تلك النشاطات وإبعادها عن مواقعها بمختلف الأساليب لتحل محلها أكداس من البشر لا تملك الخبرة والمعرفة في الإدارة بما يتناسب مع متطلبات عمل الأجهزة التخطيطية فضلاً عن انتشار الفساد المالي والإداري الذي اكتسح معظم الأعمال والنشاطات في العراق.
  • – أما التحديات الإدارية والفنية التي واجهت الحكومة فيما بعد العام 2003، فقد تمثلت بسيطرة الأحزاب والميليشيات على جميع مفاصل النشاط الاقتصادي والاجتماعي وفقاً للمحاصصة بين الأطراف التي تمسكت بزمام الأمور دون بريق أمل في تجاوز هذه المحنة، كما أن السيطرة على مقاليد الحكم والادعاء بشرعية الحصول على الأموال من خلال صفقات الفساد المالي والإداري لتوظيفها في مشاريعهم الخاصة الاستهلاكية وكذلك المتعلقة بتجهيز الميليشيات التابعة لهم وليس إنفاقها في مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي يتطلب العودة والتركيز على نشاطات التنمية والاستفادة من دروس الماضي في التخطيط وتنفيذ المشروعات الإنمائية التي تحقق للعراق التقدم من جديد والتخلص من الفوضى العارمة التي تعم العراق.
  • – ويلاحظ مما تقدم أن أجهزة التخطيط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في العراق سواءً كانت في العهد الملكي ممثلةً بمجلس الأعمار ووزارة الأعمار خلال السنوات 1953-1958 أو في العهد الجمهوري ممثلةً بمجلس التخطيط ووزارة التخطيط خلال السنوات 1959-2003 قد حظت بما تستحقه من العناية والاهتمام من الدولة لقاء جهودها في إحكام العمل التخطيطي السليم بما قدمته من خطط خمسية وبرامج استثمارية سنوية استوفت الشروط العلمية والمهنية تم خلالها إرساء أُسس التقدم والازدهار في العراق.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى