لجنة الشباب و الرياضة

الأمم المتحدة … منصة للخطباء و أداة بيد الأقوياء

أ . د إسماعيل خليل إبراهيم

نائب رئيس لجنة الشباب والرياضة

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

 

ظهرت منظمة الأمم المتحدة إلى الوجود في أعقاب فشل عصبة الأمم في الحيلولة دون اندلاع الحرب العالمية الثانية الأمر الذي دفع غالبية أعضائها لإصدار قرار بحلها . جاءت هيكلية المنظمة الجديدة على غرار سابقتها عصبة الأمم حيث تكونت من الجمعية العامة و مجلس الأمن و الأمانة العامة و أضيفت لها مجالس أخرى فضلاً عن محكمة العدل الدولية .

احتفظت الجمعية العامة و مجلس الأمن بالعديد من الصلاحيات و المهام التي كانت ممنوحة لهما أيام عصبة الأمم ، ضمت الجمعية العامة جميع الدول الأعضاء في المنظمة لكن الخطورة الحقيقية كانت في تشكيلة مجلس الأمن التي حافظت على هيمنة الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية من خلال احتفاظها بمقاعد دائمة فيه و منحت نفسها حق نقض أي قرار يتعارض و مصالحها و توجهاتها السياسية و مصالح حلفائها و السائرين في ركابها ويكفي اعتراض دولة واحدة على أي قرار ليصبح هو و العدم سواء، فبات الأمر وكأن العالم كله بكفة و دولة واحدة في الكفة الأخرى مع رجحان كفة هذه الدولة على العالم .

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل اعتُبِرَت قرارات مجلس الأمن ملزمة التنفيذ من جميع دول العالم أما قرارات الجمعية العامة فهي غير ملزمة على الرغم من أنها تصدر بموافقة أعداد كبيرة من الدول الأعضاء فهل هناك استخفاف أكبر من هذا بدول العالم ؟ لكن السؤال : كيف ارتضت دول العالم بهذا الأمر ورضخت له ؟ ومن منح الدول الخمس حق التمتع بالعضوية الدائمة في المجلس و حق نقض قراراته لاسيما وأن انتصار هذه الدول في الحرب العالمية الثانية لم يتحقق بفعل جيوشها فقط بل بمساعدة حركات المقاومة التي ظهرت في الدول التي احتلتها ألمانيا ؟ علما أن ذلك الانتصار عاد عليها بمغانم كبيرة سياسية و اقتصادية إلى جانب أنها اقتسمت العالم بينها عندما حولته إلى معسكرين شرقي و غربي .

من بين مهام و صلاحيات مجلس الأمن الحفاظ على السلم و الأمن الدوليين ولا ندري كيف ذلك وبعض الدول الأعضاء فيه تسببت وما تزال في إثارة الحروب و النزاعات في شتى بقاع الأرض ، وقامت باحتلال دول وانتهاك سيادتها ، وساهمت في تنظيم انقلابات في بلدان عدة لتغيير حكوماتها التي لم تتوافق معها سياسياً وأحلت بدلها أنظمة موالية لها ، كما أن أساطيلها البحرية تجوب البحار و المحيطات في استعراض دائم للقوة ، وتنتشر قواعدها العسكرية في العديد من دول العالم ، بل وتجاوزت المجلس و المنظمة عندما احتلت جيوشها العراق بذريعة كاذبة . أمر لا يصدقه عقل أو يقبل به منطق أن توكل لهذه الدول مسؤولية الحفاظ على الأمن و السلم الدوليين .

بالعودة إلى المنظمة نقول أن حرباً عالمية ثالثة لم تقع لكن عدم وقوعها – من وجهة نظرنا – لا يعود لجهود المنظمة بل لقناعة الدول العظمى أن حرباً جديدة تعني نهاية العالم و فناء الجميع في ظل ما بلغته صناعة السلاح من تطور لاسيما وأن المنظمة فشلت في ما هو أقل صعوبة إذ فشلت في تحقيق الأمن و السلام في العالم وفي حماية الطفولة و الحفاظ على سيادة الدول و مكافحة الجوع و منع ارتكاب المجازر التي حصلت في أكثر من مكان في العالم وراح ضحية كل ذلك الملايين من الأبرياء من الأطفال و النساء و الرجال لتثبت المنظمة أن الأهداف التي وضعت لها ليست سوى عبارات انشائية لخداع العالم .

بدأت مسيرة الأمم المتحدة بجريمة غير مسبوقة تمثلت بإصدارها قرار مَنح الصهاينة حق إقامة دولة لهم على أرض فلسطين بدعم و ضغط مارسته أمريكا على العديد من دول العالم للموافقة على قرار التقسيم بعد مجازر ارتكبتها عصابات الصهاينة ضد الفلسطينيين فأخذت الأرض من أصحابها و وهبتها لغيرهم تماماً كما فعل المهاجرون الأوائل من أوربا إلى أمريكا حيث ارتكبوا المذابح ضد سكان أمريكا الأصليين واستولوا على أرضهم ، لتعود أمريكا لتربط الماضي بالحاضر عندما استخدمت – الفيتو – لتعطيل تمرير قرار لمجلس الأمن يدعو لإيقاف فوري للقتال في غزة لكي تسمح باستمرار القتل ضد الفلسطينيين و لتثبت مرة بعد أخرى عداءها الأزلي و المستحكم للعرب و الفلسطينيين وانحيازها التام للصهاينة وسيستمر الحال على ما هو عليه طالما أن الجمعية العامة لا حول لها ولا قوة وأن أمريكا و انكلترا و فرنسا بيدها سلاح الفيتو في مجلس الأمن .

امتلئت مسيرة الأمم المتحدة و مجالسها المختلفة بالفشل وعجزت عن الايفاء بأي من أهدافها والتزاماتها عبر تأريخها إذ فشلت في منع قيام حرب الكوريتين و الحرب الفيتنامية و النزاع في كمبوديا و الحرب العراقية الإيرانية و حرب احتلال العراق والحرب في يوغسلافيا والحروب الأهلية في أفريقيا وأخيراً الحرب بين روسيا و أوكرانيا ، فضلاً عن فشلها في ايقاف تدخل أمريكا و انكلترا و فرنسا في الشؤون الداخلية للدول و إنهاء احتلالها لبعض منها كما حدث في الاحتلال الفرنسي للجزائر و استمر لغاية ستينات القرن الماضي والذي ما زال مستمراً بشكل أو بأخر للعديد من دول أفريقيا .

بعد هذه المسيرة المخجلة و المليئة بالفشل و الخيبات أليس من حقنا أن نتوجه لغالبية دول العالم بسؤال : ما الذي تنتظرونه من منظمة تقودها أمريكا و تتحكم بقراراتها بالتعاون مع حلفائها في مجلس الأمن و تسيرها كيف شاءت ؟ وما جدوى الاستمرار في عضويتها وحقوق الدول والشعوب يتم التعامل معها على وفق مزاج دول بعينها ؟ أما آن الأوان لدول العالم أن تشكل منظمة جديدة على أسس و قواعد ترسخ مبادئ العدالة بين الدول و تحقق الأمن والسلام والتنمية في العالم وتساهم في حفظ حياة الناس وتَحول دون انتهاك حرماتهم ونهب خيرات بلدانهم ؟ أما آن الأوان لدول العالم وفي مقدمتها الدول العربية أن تستثمر إمكاناتها البشرية والاقتصادية و العلمية و الجغرافية لتشكل قوة تقول لأمريكا و حلفائها كفى عبثاً بشؤون العالم ؟

إن واقع حال الأمم المتحدة يخبرنا أنها منظمة خائرة القوى لا حول لها ولا قوة ولا إرادة ، وأن الجمعية العامة ليست سوى منصة للخطابة وأن قراراتها لا قيمة ولا وزن لها ، وإن بضع دول في مجلس الأمن  هي التي تقود المنظمة و تتحكم بقراراتها وما الذي يكون وما الذي لا يكون دون وازع من دين أو أخلاق أو ضمير . فهل سيأتي اليوم الذي ترحل فيه هذه المنظمة عن عالمنا لتحل محلها منظمة لا تتعامل مع حجوم الدول بل مع كياناتها ، وليس فيها مجلس أمن و أعضاء دائميون وتكتفي بجمعية عامة تضم جميع الدول و تتخذ قراراتها بالأغلبية وتكون ملزمة لدول العالم كافة دون أن يكون لأي منها حق النقض .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى